متى نعلم أطفالنا القراءة ؟

27 فبراير 2023
هايبر كتب

متى نعلم أطفالنا القراءة؟


القراءة من أهم ما يجب أن نعلمه للطفل، وإذا أحسن القراءة امتلك السلاح الذي يساعده بعد ذلك على تلقي المعارف والعلوم، لئلا يظل مورده منها مقتصرًا على الاستماع والسماع ومشاهدة الفيديوهات فقط، وقد باتت إتاحة هذه الوسائل من خلال تطبيقات الهاتف المحمول مهددة لتأخير تعليم أطفالنا القراءة لضعف الحاجة إليها، خاصة أن محركات البحث تتيح البحث بالصوت بأن يطلب المستخدم شيئا بنطق اسمه فينتقل إليه فورًا.

كل هذا قد يجعلنا نتأخر أو نقصر في تعليم الطفل القراءة، وربما قلل من حرصه على ذلك؛ مما يجعل مهمة المدرسة صعبة ومكروهة بالنسبة له. والسؤال الآن: متى يكون الطفل مستعدًّا لتعلم أسس القراءة ومبادئها?

توضح دراسات علم نفس الطفولة أن استعداد الطفل للقراءة مرتبط بثلاثة أنماط من النمو:

1-  النمو الجسمي.

2-  النمو العقلي.

3-  النمو الاجتماعي.

أما النمو الجسمي فيتعلق بالصحة العامة للجسم، وسلامة حواسه الضرورية لتعلم القراءة كالسمع والبصر، وكذلك سلامة أعضاء النطق، وحالة العضلات المتحكمة في أطراف الأنامل التي يكتب بها، إذ القراءة مرتبطة بتعلم الكتابة.

وأما النمو العقلي فإنه يعتمد على عاملين:

1-         النضج الذاتي.

2-           التدريب والخبرة.

فيما يتعلق بالنضج الذاتي فهو العمر العقلي الذي يستطيع الطفل فيه تعلم القراءة، وغالبًا لا يكون قبل سن السادسة، باسثناء حالات بعينها, وفي تلك السن تبدأ القدرة على تذكر أشكال الكلمات، والتفكير المجرد، ثم القدرة على الربط بين المعاني، وهذه عمليات عقلية معرفية تتطلب نضجًا ذهنيًّا محدَّدًا.

أما التدريب والخبرة والتنشئة الاجتماعية فيكتسبها الطفل من خلال التربية الهادفة داخل الأسرة بالتحدث معه ومحاورته، ثم يأتي دور المدرسة حيث التربية الموجهة, ويجب أن يكون للمدرسة أثر واضح في الاستعداد القرائي للطفل وزيادة حصيلته اللغوية, وكذلك التدريب على صحة النطق, والقدرة على تركيب الجمل, واستنباط المعاني المتنوعة، بالإضافة إلى اتساع مدارك الطفل والقدرة على التفكير في حل المشكلات التي تواجهه, وكذلك القدرة على الاحتفاظ بعدد من العمليات العقلية بتسلسلها.

أما النمو الاجتماعي فيقاس بمدى قدرة الطفل على التوافق مع المجتمع الذي يحيط به، وكذلك استعداده العاطفي لممارسة البيئة المدرسية, فلا يمكن للطفل تعلم القراءة بصورة جيدة ما لم يكن متزنًا عاطفيًّا، وسليمًّا نفسيًّا.

ونطرح هنا سؤالا مُهمًّا: ما الأسلوب العلمي الذي نستطيع اتباعه لتعليم الطفل القراءة?

يرصد المختصون ثلاثة أساليب لبدء تعلم القراءة, وهي:

1- أسلوب التعجيل.

2- أسلوب التمهيل.

3- أسلوب التأجيل.



أولًا: أسلوب التعجيل

وهو الأسلوب المتبع في أكثر مدارسنا, ويتلخص في إكراه الأطفال جميعًا على تعلم القراءة بمجرد دخولهم المدرسة الابتدائية, دون النظر إلى مدى استعدادهم لها، وكأنها قضية مسلمة، أنهم ينبغي أن يتمكنوا جميعًا من تعلم القراءة في الصف الأول الابتدائي؛ وذلك هو ما يتوقعه كل من الموجّه وولي الأمر، وينتظرون تحقيقه من المعلم، فإذا لم يجدوا التلميذ قادرا على القراءة والكتابة بعد أسابيع صبُّوا اللعنات على المدرسة والمعلمين والمعلمات، وربما كان في ذلك خلط كبير، فليست جميع قدرات الأطفال واحدة، من حيث الاستعداد الكافي لتعلم القراءة والكتابة، وقد توصلت التجارب العملية إلى النتائج الآتية:

-     ليس من المحتم أن يثمر التكرار أو التدريب الآلي المتواصل، ويؤدي إلى نتائج إيجابية ما لم تتوفر عناصر أخرى بجواره, ومنها:

1- انتباه الطفل (المتعلم) وتركيزه في أثناء التكرار.

2-   وجود الدافع المحفز على التكرار من أجل التعلم.

3-   بلوغ الطفل مرحلة النضج والاستعداد للتعلم.

وغالبا لا يراعي المعلم توفر هذه العوامل مع تلاميذ الفصل جميعًا، إن تدريب التلاميذ -مهما بذل المعلم من جهد- لا يجدي غالبا إلا في حالات الأطفال الذين يأتون إلى المدرسة وهم مستعدون للتعلم.

صحيح أن إكراه الطفل على تعلم القراءة وهو غير مستعد لها قد يؤتي ثمرة طيبة، ولكنها غالبا مؤقتة, وقد أثبتت بعض التجارب أنه ليس من المستحيل تعليم أي تلميذ مهما كان تحصيله ضعيفا، ولكن ذلك يحتاج إلى قدر كبير من الجهد والوقت، وهذا لا يمكن توفره في الفصول المزدحمة.

إن المقاومة التي يبديها كثير من الأطفال تجاه تعليمهم القراءة وهروبهم من ذلك، تكون غالبا بسبب إكراههم عليها قبل أن يستعدوا لها وهم مبتدئون، وقد ثبت أن أكثر حالات العجز القرائي يرجع إلى التعجيل في تعليم الطفل قبل أن يبلغ النضج المناسب.


ثانيًا: أسلوب التمهيل

على العكس من أسلوب التعجيل يكون أسلوب التمهيل؛ وذلك بأن يؤخذ كل طفل بالمعونة الخاصة، والتشجيع الذي يحتاج إليه لتعلم القراءة عندما يكون مستعدًّا للتعلم.

وذلك يشبه تعلم الطفل الكلام، حيث يتعلمه بطريقة تلقائية دون توجيه مقصود إذا أتيحت الظروف المناسبة، ويقصد بهذه الظروف أن يملك الطفل أجهزة السمع والنطق المناسبة، وأن يعيش في بيئة يستمع فيها إلى أحاديث الكبار, ثم تتطلب الحياة الاجتماعية منه استخدام اللغة في الاتصال.

يمكننا في هذا السياق أن نهيىء مثل هذا الجو لتعليم القراءة دون إكراه, وقد لجأ بعض المربين إلى هذا الأسلوب وحققوا نجاحًا ملموسًا, وذلك بإتاحة فرص القراءة, وتهيئة الحاجة الاجتماعية التي تدعو إليها وتجعلها هدفًا يحرص الطفل على تحقيقه بنفسه.

ويعتمد هذا الأسلوب على أن الأطفال يختلفون في استجاباتهم للبيئة التي تحيط بهم, وكل منهم يستجيب لما في هذه البيئة حسب ما بلغه من نضج في نموه واستعداده.

وفي هذا الإطار يهيئ المعلم للأطفال الجو القرائي المناسب, ويترك للطفل نفسه تقرير ما إذا كان يقرأ, وتحديد الوقت الذي يبدأ فيه القراءة، وكذلك استخدام المادة التي هيأها له المعلم.

وتظهر علامات استجابة الطفل لعملية القراءة في مواقف معينة، مثل تلهفه على النظر إلى الصورة, وإلقاء الأسئلة, والاهتمام بالكتب والقصص والكلمات ومحاولة الكتابة.

باختصار، هذا الأسلوب يجعل الطفل يتعلم القراءة بطريقة تلقائية طبيعية دون إكراه, وهو يتطلب شيئًا من الصبر والروية من المعلمين وأولياء الأمور، ليقبل الطفل بذاته على التعلم برفق وهوادة.


ثالثًا: أسلوب التأجيل

يقوم هذا الأسلوب بافتراض أن الأطفال جميعًا يكونون أكثر استعدادًا لتعلم القراءة وهم أكبر في السن, وبالتالي في عمرهم العقلي, وينبني هذا الرأي على أن الذكاء هو أهم عامل بين العوامل التي تلعب دورًا في نجاح تعلم القراءة. والحقيقة أن كثيرًا من الأطفال قد يتأخر تعلمهم القراءة رغم أن حظهم من الذكاء كبير ولافت؛ لأن هناك عوامل غير الذكاء تلعب دورا في استعداد الطفل, كالنضج الجسمي، والنضج الاجتماعي، والبيئة الثقافية، وعادات الطفل اللغوية، وخبراته السابقة كما وضحنا ذلك آنفا.

ولعل ما يميز أسلوب التأجيل أنه يتيح فرصة أوسع للطفل تزداد فيها خبراته, ويتسع محصوله اللغوي, ويكتمل نضجه الجسمي والاجتماعي, وكذلك عمره العقلي, وبذلك يضمن أنصار ذلك الأسلوب للطفل نجاحًا في تعلم القراءة دون معاناة ولا صراع.

والجدير بالذكر أن أصحاب هذا الرأي لا يمانعون فيما هو متبع من طرق التعليم المخالفة لهم، ما دامت تطبق على ما يناسبها من أطفال. ولكنهم يؤكدون أن انتظار النضج العقلي والاتساع المعرفي والخبرة الاجتماعية واللغوية ليس عيبًا، وهو أمر مقبول, بل قد يكون مطلوبًا والأنسب، وأدعى لتجنب القلق النفسي والاضطرابات الانفعالية, كما إن الأطفال الأكبر سنًّا وأتم نضجًا يستطيعون تعلم مهارات أكثر في وقت أقل مما يحتاجه أولئك الأصغر سنًّا وأقل نضجًا.

فالأمر يتعلق بالنسبة والتناسب مع القدرات المختلفة، ولكل طفل الأسلوب الأمثل الذي يناسبه.

أما عن كيفية تعليم الطفل القراءة فهذا ما نرجئه لمقال آخر.